تصل وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى لبنان وفي بالها مهمّة هي غير تلك التي يتولاها زميلها وسلفها جان إيف لودريان، مع أنّ الأخير دمج في زيارته الأخيرة بين المهمّتين: انتخاب الرئيس وضمان أن لا يتصاعد التوتّر على الحدود الجنوبية إلى حرب شاملة إضافة لموضوع قائد الجيش.
تبدو زيارة كولونا مرتبطة بشق الحدود أكثر من ارتباطها بالرئاسة أو موضوع قيادة الجيش. وهي، عشية قدومها أجرت مباحثات هاتفية مع الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية المصغّرة بيني غانتس شدّد خلالها الوزير الإسرائيلي على أنّ «الواقع الذي يهدّد فيه «حزب الله» بالوكالة عن ايران، سكّان شمالي البلاد، لا يمكن أن يستمرّ، وفرنسا لها دور مهم، إلى جانب المجتمع الدولي، في القدرة على التحرّك وبذل الجهود مع دولة لبنان من أجل إزالة التهديد».
إزالة التهديد من وجهة النظر الإسرائيلية تقتضي أوّلاً إبعاد مقاتلي «حزب الله» إلى مسافة لا تقلّ عن خمسة إلى سبعة كيلومترات من المناطق الحدودية، وثانياً منع «الحزب» من إعادة إقامة نحو 100 موقع رصد ومراقبة كان قد أقامها على طول الحدود وتولّى الجيش الإسرائيلي مهاجمتها خلال الشهرين الماضيين. الشرطان أوردتهما القناة الإسرائيلية 12 وأضافت في تبريرهما أنّ «السكان الذين تمّ إجلاؤهم من المستوطنات الشمالية لن يعودوا إلى منازلهم إذا لم يحدث تغيير عملي واضح يمكن رؤيته بالعين المجرّدة».
ردّ «حزب الله» على المقترحات الإسرائيلية، أنه لا يعتزم التوصّل إلى اتفاق مع إسرائيل، وأنّ «الجبهة الجنوبية في لبنان مرتبطة بجبهة غزّة» وأنّ «الاحتلال وداعميه الأميركيين والغربيين لن يفرضوا أيّ مخطط مرتبط بجنوب الليطاني مهما ارتفعت لهجة تهديداتهم».
والواقع أنّ هذه التهديدات إلى ازدياد. في إسرائيل تتكوّن قناعة راسخة بحتمية الحرب مع «حزب الله» بوصفه تهديداً كامناً كما كانت «حماس» في غزة قبل 7 تشرين. وقادة الدولة الصهيونية لم يكفّوا عن التحذير من جعل بيروت غزة ثانية، وإذا لم يتمّ التوصّل إلى تسوية ما فإن استمرار الاشتباكات اليومية يمكن أن يتدحرج إلى معركة شاملة.
على خطي التوتر والاتصالات يتأرجح وضع الجنوب، والاهتمام الفرنسي والدولي بمنع الإنفجار الكبير يستند في العمق إلى القرار الأميركي بحصر الحرب في غزة ومنع تورّط آخرين فيها بما يسفر عن حروب إقليمية. لهذا السبب عززت أميركا حضورها العسكري في المنطقة، وانضمت إليها دول أخرى، ولهذا السبب أيضاً تقف الولايات المتحدة في صلب محاولات ترتيب الأوضاع على الحدود الجنوبية.
منذ بداية حرب غزة يتولّى آموس هوكشتاين مهمة التهدئة. وبحسب ما بات معروفاً فإن هوكشتاين الذي لعب دوراً رئيسياً في الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل (...) يبحث في إمكانية اتباع «آلية مماثلة للتوصّل إلى اتفاق بشأن الخلافات الحدودية بين لبنان واسرائيل» بما يشمل مرتفعات مزارع شبعا. عند هوكشتاين كما يبدو الخبر اليقين. كولونا وغيرها ينقلون الرسائل ويمهدون الطرق. أمّا المبعوث الأميركي (الإسرائيلي النشأة والخدمة) فهو صاحب الكلمة النهائية ممهورة بتوقيع رئيسه جو بايدن. في واشنطن يقولون إنّ قلة من المستشارين تتمتع بحجم الثقة التي يحوزها هوكشتاين «شاب الرئيس المدلل».
*المصدر: نداء الوطن